منوعات

حطب الشّتاء يدفع لارتكاب “مجازر بيئية” في أحراج الضنّية وعكّار

منذ بداية الصيف، وبشكل شبه مستمر، تشهد المناطق الحرجية في الضنّية وعكّار، خصوصاً الموجودة في المناطق الجردية والنائية بعيداً عن الأنظار، عمليات جزّ وقطع واسعتين، إضافة إلى حرق متعمّد، من قبل معتدين وتجّار حطب وفحم، من أجل تأمين الحطب في فصل الشّتاء المقبل بقصد التدفئة، بعدما بات تأمين المازوت لهذا الغرض متعذّراً نتيجة إرتفاع سعره وتراجع القدرة الشرائية لأغلب المواطنين.

وأفاد ناشطون بيئيون وعناصر في شرطة بعض البلديات “أحوال” أنّ “مناطق واسعة في الضنّية وعكّار، خصوصاً منطقة وادي جهنّم الفاصلة بينهما، والتي تعدّ واحدة من أكبر المناطق الحرجية فيهما، تشهد عمليات جزّ وقطع على مدار الساعة، وأن أصوات مناشير الحطب تسمع في أرجاء الوادي وأطرافه، كما تشاهد شاحنات كبيرة تدخل إلى الوادي فارغة وتخرج منه بعد ساعات محمّلة بحطب الأشجار الذي تم قطعه للتّو من جذوعه”.

ولم يعد خافياً أن ارتفاع أسعار المحروقات، وتحديداً صفيحة المازوت التي وصل سعرها إلى قرابة 700 ألف ليرة لبنانية، دفع كثيرين للتوجّه نحو الحطب كبديل للتدفئة في فصل الشتاء، وهو توجّه رفع في المقابل سعر الحطب الذي وصل سعر الطن منه إلى 200 دولار، وتحديداً حطب أشجار السنديان والملول والزيتون والحمضيات، ما جعل مواطنين يعتمدون على أنفسهم وحمل مناشير الحطب والتوجّه إلى بساتينهم أو إلى المناطق الحرجية المجاورة لهم لتأمين مونتهم من الحطب قبل هبوط الشتاء.

الإقبال على الحطب زاد في المقابل إقبال المواطنين على شراء مواقد الحطب للتدفئة بدلاً من مواقد المازوت. وأوضح تجّار وباعة مواقد في الضنّية وعكّار “أحوال” بأنّ “أكثر من 90 في المئة من المواقد التي نبيعها هي مواقد حطب، في حين أنّ النسبة المتبقية هي من نصيب مواقد مازوت وغاز”.

كلّ ذلك يجري وسط غياب تام لأجهزة الرقابة على الأحراج والغابات وحمايتها، من مأموري الأحراج إلى البلديات واتحادات البلديات وشرطتها والجمعيات المهتمة بالشأن البيئي وناشطين، كما حصل مؤخّراً في منطقة عيون السمك بين الضنّية وعكار حيث ارتكبت مجرزة بيئية كبيرة بحق مئات الأشجار الحرجية المعمّرة.

بعض مأموري الأحراج في الضنّية وعكّار أوضحوا لـ”أحوال” بعدما طلبوا عدم ذكر أسمائهم، أنّه “ليس عندنا مخصصات للمحروقات للقيام بمعاينة أماكن الاعتداء البيئي، ولا يوجد أيّ دعم لنا، فكيف سنقوم بجولات تفقدية لمراقبة المناطق التي تتعرض لقطع وحرق متعمدين للأحراج والغابات من قبل مواطنين ومعتدين وتجار حطب وفحم، وممّن يحاولون وضع اليد على أملاك الدولة؟”.

وأشاروا إلى أنّ “مأموري الأحراج توقفت مخصّصاتهم من المحروقات منذ أكثر من سنتين، ولا زيوت للسيّارات ولا صيانة لها، ولا ألبسة ومعدات مخصّصة لهم ولا زيادة رواتب، فكيف يمكن حماية هذه الأحراج والغابات وإخماد الحرائق وردع المعتدين؟”.

وأضافوا أنّه “سابقا كنّا ندفع من حسابنا عندما نقوم بأيّ جول تفقدية، عندما كان سعر صفيحة البنزين بـ20 ألف ليرة، أمّا اليوم فإن راتبنا لا يساوي سعر 3 صفائح بنزين، فكيف نعمل وكيف نعيش وكيف نؤمّن حاجيات عائلاتنا، خصوصاً أنّ أيّ جولة تفقدية تكلفنا ذهاباً وإياباً نحو مليون ليرة، بينما رواتبنا هي بحدود مليونين؟”.

ولفتوا إلى أنّ “وزارة البيئة ليس عندها جهاز متخصص في حماية الأحراج والغابات وإخماد الحرائق، هي تتكل علينا وعلى عناصر الدفاع المدني وعلى عناصر الشرطة في البلديات ومتطوعين في عملها، ولكنّها لا تقدّم لهؤلاء أيّ دعم لأنه لا يوجد لديها موازنة كافية”.

وحول الأخبار التي تروج مؤخّراً عن مجازر بيئية ترتكب بحق أشجار نادرة ومعمّرة من اللزاب والأرز والسنديان وغيرها، أشار مأمورو الأحراج في الضنّية وعكّار إلى أن “القطع يتم بشكل عشوائي وواسع، والمعتدون لا يوفرون أيّ شجرة من القطع سواء كانت حرجية نادرة أو حرجية عادية أم مثمرة، أو معمّرة أو حديثة، وإنّ عمليات القطع تنشط أكثر الأحيان ليلاً”.

وخلص مأمورو الأحراج إلى السؤال: “من يلاحق المعتدين ويوقفهم عند حدّهم، ومن يحمي لبنان الأخضر من الزوال، والأشجار النادرة من القطع والإعتداء؟”.

عبد الكافي الصمد

عبد الكافي الصمد

صحافي لبناني حاصل على شهادة الإجازة في الإعلام من جامعة الجنان في طرابلس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى